الدكتور منير القادري.. سعادة القلب والفوز برضا الحق في حب الخير والعطاء لسائر الخلق
مداغ: 27-6-2022
ساهم رئيس مؤسسة الملتقى الدكتور مولاي منير القادري مساء السبت 25 من الشهر الجاري في الليلة الرقمية العاشرة بعد المائة، ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال، بمداخلة اختار لها كعنوان » سعادة القلب والفوز برضا الحق في حب الخير والعطاء لسائر الخلق ».
استهلها بالتذكير بقوله تعالى: » فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ( الأنعام:125 )، موضحا أن مَن أراد الله به خيرا وسعادة شَرَح صدرَه للدين، والعمل بعمل المؤمنين.
ولفت الى أن القوى المادية ومعها جميع المذاهب والفلسفات الغربية فشلت في تحقيق السعادة والاطمئنان الروحي للإنسان وإيجاد حلول واقعية ناجعة لحاضره المثخن بالإمراض والأزمات الناجمة عن انعدام التوازن بين متطلبات المادة والروح، وتفشي الأنانية المطلقة وفرض نموذج استهلاكي مادي يغيب ويقصي القيم الروحية والإنسانية الأصيلة.
وأورد في هذا السياق قول نسيم سوسة الباحث في الظواهر الإنسانية « يجب أن لا يغرب عن البال أن المدنية الغربية الحديثة خابت في إرضاء النفوس، وأخفقت في إيجاد السعادة للبشرية؛ فهبطت بالناس في هاوية الشقاء والارتباك؛ وصارت جهود البحث الإنساني والعلم الحديث موجهة إلى التدمير والإفناء، وأصبح الإنسان بعيدا والحالة هذه من أن يتصف بالكمال، أو أن يكون واسطة لخدمة الإنسانية كما كان في ظل حضارة أمة الإسلام ».
وأوضح القادري، أن السعادة الحقيقية ليست مادية على الإطلاق وإنما هي معنوية روحية، وتابع أنه لا يعيش عيش السعداء ويبعث مع السعداء إلا من كان قلبه معلقا بربه متنعما في طاعته بعيدا عن معصيته مشتاقا إلى فضل جوده والفوز بجنانه، مستدلا بقوله تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ (العنكبوت: 69 ) .
وبين أن معيار الفوز بحسن الدارين هو حسن عمل المرء في دنياه، مستشهدا بقوله تعالى (وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) .
واستطرد القادري أن الشرع الكريم حث على نفع الناس وقضاء حوائجهم والسعي الى تفريج كرباتهم وبدل الشفاعة الحسنة لهم تحقيقا لدوام المودة وبقاء الألفة وزيادة في روابط الأخوة.
ولفت الى أن الإسلام عندما يغرس في الانسان حب الخير والصلاح وأعمال البر انما يقصد خلق نموذج انساني تتجسد فيه كل مقومات الصلاح والنبل والجمال، وأردف شارحا أنه متى صار هذا الانسان صالحا فانه سيكون فيض من العطاء والخير ليس لنفسه ولأهله فحسب وإنما للعالم أجمع، وبالمقابل حذر من أن أكثر الناس خسرانا وتعاسة من يظن أن بإمكانه أن يجد في قلبه راحة وفي حياته سعادة وهو لا يملك قلبا سليما من الأضغان والأحقاد، مذكرا بقوله عزوجل : ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97] .
وأورد في ذات السياق مقولة الفيلسوف أرسطو: « إننا نولد بشرا ونصير إنسانا عن طريق اكتساب مجموعة من الأخلاق والمبادئ والقيم التي تندرج في إطار الإنسانية والالتزام بها وبأخلاقها وقيمها « .
وبين أن أئمة التصوف على مر الأزمنة والعصور كانوا في مقدمة دعاة سبيل التراحم والتسامح الذي نحن في اشد الحاجة اليه في زمن الظمأ الروحي وانتشار موجات الإلحاد والتحلل الأخلاقي والغلو والتطرف .
وشدد على أن المجتمع وخاصة الشباب في أشد الحاجة للعديد من القيم التي يتحلى بها التصوف -مقام الإحسان ، والتي هي قيم إنسانية تمثل زادا حقيقيا في مواجهة تحديات المستقبل.
وأضاف أن التصوف هو في جوهره دعوة أخلاقية تروم تحقيق التوازن بين إقبال الناس على الدنيا وبين مراعاة الحقوق والواجبات الدينية، وأنه ممارسة تربوية غايتها معالجة أمراض النفس والمجتمع.
وزاد أن الغرض من التصوف كبعد روحي احساني للدين ليس الانغلاق والأنانية والبحث عن المصلحة الشخصية دون الاكتراث بواقع المجتمع الذي يعيش فيه، وأنه في صميمه محاولة لبعث روح التأثير إيجابا في المجتمع ككل ونفع الخلق أجمعين.
على أن إرادة الخير للآخرين قيمة إنسانية رفيعة، وأساس من أسس النهضة القوية التي عليها تقوم المجتمعات الحضارية، وأن التعاون يثمر تعارفا وتفاهما ومحبة ويزيل المخاوف والتربص،وشدد مما يخلق مناخا محفزا للعمل والعطاء والتعاون ويتيح الفرصة لتوظيف الطاقات المختلفة وصهرها في بوثقه واحدة تستطيع من خلالها الامة أن تتبوأ مكانتها في التقدم والازدهار