!من هموم الكادر الجامعي
من هموم الكادر الجامعي!
بقلم : أد / محمد إبراهيم العشماوي.
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر.
يشكو كثير من أعضاء هيئة التدريس الجامعي ومعاونيهم من صدود وصدوف وانصراف – لا يعلمون سببه – عن مواصلة البحث العلمي، الأمر الذي يهدد مستقبلهم العلمي والوظيفي، وينال من مكانتهم في المجتمع.
والحق أنه قل أن تجد أحدا ممن كتب له العمل في السلك الجامعي؛ إلا وناله نصيب من هذا الأمر، وقد عانيت منه مر المعاناة، وأدركت أخيرا أن السبب فيه يرجع إلى ثلاثة أمور:
الأمر الأول: إصابة العين، فالعمل الجامعي منذ كان وهو مطمح الآمال، والمجتمع ينظر إليه بإعجاب شديد، والإعجاب المجرد قرين العين، حتى إن الإنسان ليصيب نفسه بعينه من غير أن يشعر، وهذا مجرب، وكم ابتلينا به!
ولا تزال العين بالرجل الجامعي حتى يحول إلى وظيفة إدارية، أو يحال إلى المعاش ما معه سوى الدكتوراه، وقد ترقى أقرانه وسبقوه، وقد ينتهي الأمر بالعين إلى موت المعيون!
وقد مات الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك صغيرا لم يتجاوز الخامسة والأربعين من عمره؛ لأنه كان شديد الإعجاب بنفسه، نظر يوما في المرآة من مفرقه إلى قدمه، فأعجبته نفسه، فجعل يقول: « أنا الملك الشاب »، فما أتت عليه جمعة حتى مات!
وهكذا في كل الوظائف المرموقة، في القضاء والشرطة والجيش والسلك الدبلوماسي وغيرها من الوظائف التي هي محل الإعجاب والدهشة والرغبة من الجميع!
وللتخلص من هذا الأمر لمن ابتلي به؛ عليه أن يلزم الأذكار والتحصينات النبوية؛ فإنها وقاية له من كل شر، وأن يأخذ بالأسباب التي تدفع عنه شرور الأعين، فيلزم التواضع، وعدم الترفع على الناس، وعدم التباهي والتفاخر بالوضع الاجتماعي، مع أنه الآن من أسوأ الأوضاع الاجتماعية على مستوى الوظائف العليا!
الأمر الثاني: كثرة الأعباء والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وهي من أشد عوائق البحث العلمي؛ لأن البحث العلمي يحتاج إلى ذهن صاف، وهي تكدر الذهن وتعكره!
فلا ينبغي للرجل الجامعي أن يدخل نفسه في هذه الأعباء والمشاكل أصلا، فإن أدخل فيها مضطرا فلا ينبغي أن تصرفه عن البحث، ولا يعطيها أكبر من حجمها، وليتمسك بأهداب الأمل في غد أكثر تفاؤلا وإشراقا، فإن لكل هم غاية، ولكل مشكلة نهاية، وامتلاء النفس بهذا الشعور يدفعه إلى مواصلة البحث!
الأمر الثالث: عدم الرغبة في العمل الجامعي من الأصل، إما لأنه ليس أهلا له، ودخله مجاملة أو بالوساطة والمحسوبية، وإما لأنه أجبر عليه مسايرة للعرف الاجتماعي، مع أنه لا يقع في دائرة اهتماماته، ولا يناسب طموحاته!
وهذا الأمر أشد الأمور الثلاثة وطأة، وأعصاها على العلاج؛ لأن بغض الشيء مدعاة إلى الزهد فيه، ولا يزال البغض بالرجل حتى يترك ما يبغض، وينصرف إلى ما يحب!
يدبر الأمر!
ملايين الوظائف الحيوية التي تقوم بها أجهزة الجسم في كل ثانية، من غير أن تشعر بها كيف حدثت، غير أنك تحس أثرها!
فالذي دبر لك هذا – بلا حول منك ولا قوة -؛ قادر على أن يدبر لك في كل أمر لا تستطيع له حيلة، ولا تهتدي إليه سبيلا!
فقط أحسن الظن به!
ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين!
أد / محمد إبراهيم العشماوي.
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر.
#الخواطرالعشماوية