قراءة في مرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها
قراءة في مرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها
أمام العجز عالميا عن إيجاد علاج فعال لفيروس كرونا المستجد، الذي تمدد في ظرف وجيز وبشكل رهيب في مختلف دول المعمور، وجرف نحو الموت آلاف البشر، مشكلا بذلك تهديدا حقيقيا للوضع الصحي العالمي، فحتى الدول المتقدمة بقوتها وعظمتها بدت أمامه ضعيفة تترنح من شدة ضرباته.
في ظل هذا الوضع الصحي المقلق عمدت عدة دول إلى اتخاد إجراءات صارمة للحد من انتشاره ومحاصرته، ويعد المغرب من الدول السباقة الى اتخاذ عدد من التدابير والإجراءات الاحترازية عبر إصدار مجموعة من النصوص التنظيمية والإجرائية، كان أبرزها إعلان حالة الطوارئ الصحية في سائر أرجاء التراب الوطني بموجب مرسوم بقانون رقم 2.20.293 صادر في 29 رجب 1141 (24 مارس 2020 ) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد 19 والذي هيأت له سلفا الأرضية القانونية الصلبة لصدوره من خلال مرسوم بقانون رقم 2.20.292. صادر في 28 رجب 1441 (23 مارس 2020 ) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها ، سنحاول القيام بقراءة موجزة لمضامين هذا المرسوم ،دون إغفال التطرق إلى مدى شرعية ومشروعية إصداره.
يبدو أن هاجس الأساس الدستوري لهذا المرسوم كان حاضرا في ذهن واضعيه ، باعتبار صدروه عن الحكومة التي تمثل السلطة التنفيذية ، في حين أن التشريع يبقى من اختصاص السلطة التشريعية الممثلة بالبرلمان بغرفتيه ، وهو ما كان سيعرض الحكومة في حال صدوره مع غياب السند الدستوري لهذا المرسوم لسيل من الانتقادات القانونية والحقوقية حول شرعية ومشروعية المرسوم ،سيما وان الظرفية الحالية تجعل الحكومة في غنى عن الدخول في هكذا نقاشات ، وتوفير الوقت والجهد لمواجهة هذا الوباء، خاصة وأن من مرامي إخراج هذا المرسوم جعله السند القانوني للسلطات العمومية من أجل اتخاذ كافة التدابير المناسبة والملائمة وكذا الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بأي جهة أو عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر، أو بمجموع التراب الوطني عند الاقتضاء، كلما كانت حياة الأشخاص وسلامتهم مهددة من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية.
ويبدو أن الفصل 81 من الدستور –دون إغفال مقتضيات الفصلين 21 و24 من الدستور اللذين ارتكز عليهما أيضا المرسوم وكذا اللوائح التنظيمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية المشار إليهم في ديباجته- شكل مخرجا مناسبا للحكومة ورفع عنها الحرج ووفر المرجعية الدستورية لهذا المرسوم ، حيث ان هذا الفصل اعطى للحكومة إمكانية أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين مراسيم قوانين يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان خلال دورته العادية الموالية.
وبذلك تكون الحكومة اختارت الطريق القانوني الصحيح حين جعلت مرسوم 2.20.292 مؤطرا بالدستور و تحت سقفه، حيث شكل هذا المرسوم السند القانوني للحكومة الذي مكنها من الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية على صعيد التراب الوطني كافة، عندما اقتضت الضرورة ذلك، من أجل تطويق انتشار فيروس كرونا المستجد بموجب المرسوم 2.20.293، كما خولها إمكانية تمديدها ( المادة الثانية من المرسوم ) وأعطاها الحق خلال فترة إعلان حالة الطوارئ الصحية اتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض( المادة الثالثة من المرسوم) .
فمن أجل ضمان التنزيل الأمثل لهذا المرسوم على أرض الواقع، وتطبيق حالة الطوارئ الصحية بشكل صحيح عند إعلانها،وتحقيق الردع العام والخاص تضمن المرسوم بقانون رقم 2.20.292 مقتضيات زجرية آمرة ،من خلال ما نصت عليه مقتضيات المادة الرابعة منه، والتي جاء فيها:
» یجب على كل شخص یوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فیھا حالة الطوارئ الصحیة، التقید بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومیة المشار إلیھا في المادة الثالثة أعلاه.
یعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شھر إلى ثلاثة أشھر وبغرامة تتراوح بين300 درهم 1300 درهم أو بإحدى ھاتين العقوبتين، دون الإخلال بالعقوبة الجنائیة الأشد.
يعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفیذ قرارات السلطات العمومیة المتخذة تطبیقا لھذا المرسوم بقانون عن طریق العنف أو التھدید أو التدلیس أو الإكراه، وكل من قام بتحریض الغير على مخالفة القرارات المذكورة في ھذه الفقرة، بواسطة الخطب أو الصیاح أو التھدیدات المفوه بھا في الأماكن أو الاجتماعات العمومیة أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو الأشرطة المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبیع أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومیة، أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعیة البصریة أو الالكترونية ، وأي وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة الكترونية ».
فجريمة مخالفة حالة الطوارئ الصحية جعل منها المرسوم جريمة مستقلة الأركان عن غيرها من الجرائم، دون الإخلال بالجريمة الأشد في حالة وقوعها أو مصاحبتها للجريمة الأصلية في حالة تعدد الجرائم، كما هو الحال بالنسبة لجريمة العصيان وجريمة إهانة موظف عمومي أثناء تأدية مهامه ، مع الإشارة إلى أن ارتكاب بعض الجرائم خلال فترة الطوارئ الصحية يشكل ظرف تشديد كما هو الحال بالنسبة لجريمة السرقة( الفصل 510 من القانون الجنائي ) .
ومما يحسب للمرسوم، نصه على وقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها، على أن يستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة. مستثنيا من ذلك آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي طبقا لمقتضيات المادة السادسة من المرسوم ، غير أن المرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية أغفل تحديد تاريخ بدء العمل بحالة الطوارئ الصحية، وهو ما أثار نقاشا قانونيا حول تاريخ توقف آجال ممارسة المساطر والطعون ، وأمام هذا الإغفال فإن تاريخ توقف آجال ممارسة المساطر والطعون يكون هو تاريخ 25/3/2020 باعتباره اليوم الموالي لنشر المرسوم رقم2.20.293 بالجريدة الرسمية
E.Younes